الحديث الثاني والعشرون

 

[حديث الماء طهور لا ينجسه شيء]

 

الحديث الثاني والعشرون :

 

22_عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ _رضي الله عنه_ قَالَ :

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ _صلى الله عليه وسلم_ :

«الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» رَوَاهُ أحمد والترمذي وأبو داود والنسائي.

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه : النسائي في "المجتبى" (326), وأبو داود (رقم: 66)، والترمذي (رقم: 66)، وأحمد (3/31)، وابن الجارود في "المنتقى" (رقم : 47)، وابن أبي شيبة في "المصنّف" (1/141-142)، والدارقطني (1/30), وابن المنذر في "الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف" (1/ 269) (رقم : 188) والبيهقي في "الخلافيات" (3/197-198).

 

وانظر : "البدر المنير" 2/57, و"تلخيص الحبير" 1/15, و"الإرواء" 1/45, و"الخلافيات" 3/197-198.

 

بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار ط الوزارة (ص: 53_54) :

"هذا الحديث الصحيح يدل على أصل جامع، وهو أن الماء (أي : جميع المياه النابعة من الأرض طاهرة، والنازلة من السماء الباقية على خلقتها، أو المتغيرة بمقرها أو ممرها، أو بما يلقى فيها من الطاهرات ولو تغيرا كثيرا) طاهرة :

تستعمل في الطهارة وغيرها. ولا يستثنى من هذا الكلام الجامع إلا الماء المتغير لونه أو طعمه أو ريحه بالنجاسة، كما في بعض ألفاظ هذا الحديث.

 

وقد اتفق العلماء على نجاسة الماء المتغير بالنجاسة، واستدل عليه الإمام أحمد وغيره بقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [المائدة: 3]___إلى آخر الآية [المائدة: 3] .

يعني : ومتى ظهرت أوصاف هذه الأشياء المحرمة في الماء صار نجسا خبيثا.

 

وهذا الحديث وغيره يدل على أن الماء المتغير بالطاهرات طهور، وعلى أن ما خلت به المرأة لا يمنع منه مطلقا، وعلى طهورية ما انغمست فيه يد القائم من نوم الليل، وإنما ينهى القائم من النوم عن غمسها حتى يغسلها ثلاثا. وأما المنع من الماء، فلا يدل الحديث عليه.

 

والمقصود: أن هذا الحديث يدل على أن الماء قسمان: نجس، وهو ما تغير أحد أوصافه بالنجاسة، قليلا كان أو كثيرا. وطهور، وهو ما ليس كذلك، وأن إثبات نوع ثالث - لا طهور ولا نجس، بل طاهر غير مطهر، ليس عليه دليل شرعي، فيبقى على أصل الطهورية.

 

ويؤيد هذا العموم قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: 6]

وهذا عام في كل ماء، لأنه نكرة في سياق النفي، فيشمل كل ماء خرج منه الماء النجس للإجماع عليه.

ودل هذا الحديث أيضا: أن الأصل في المياه الطهارة. وكذلك في غيرها، فمتى حصل الشك في شيء منها: هل وجد فيه سبب التنجيس أم لا؟ فالأصل الطهارة." اهـ

 

شرح الحديث :

 

قال الله _تعالى_ :

{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ : فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ، وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ،

وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا : فَاطَّهَّرُوا،

وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ، فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً : فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْه} [المائدة: 6]

 

عون المعبود وحاشية ابن القيم (1/ 73)

65 - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

«إِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَنْجُسُ» د

 

من فوائد الحديث :

 

الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف (1/ 269)

فَهَذَا جَوَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَاءِ جَوَابٌ عَامٌّ يَقَعُ عَلَى كُلِّ مَاءٍ، وَإِنْ قَلَّ.

وَمِنْهَا أَنَّهُمْ مَجْمُوعُونَ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ الْقَلِيلَ طَاهِرٌ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ فِيهِ النَّجَاسَةُ، وَلَمْ يُجْمِعُوا عَلَى أَنَّ النَّجَاسَةَ إِذَا حَلَّتْ فِيهِ وَلَمْ تُغَيِّرِ الْمَاءَ لَوْنًا، وَلَا طَعْمًا، وَلَا رِيحًا أَنَّهُ نَجَسٌ،

فَالْمَاءُ الْمَحْكُومُ لَهُ بِالطَّهَارَةِ طَاهِرٌ حَتَّى يَثْبُتَ لَهُ حُكْمُ النَّجَاسَةِ بِخَبَرٍ أَوْ إِجْمَاعٍ.

وَمِنْهَا أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ الثَّوْبَ النَّجِسَ إِذَا غُسِلَ بِالْمَاءِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَهُوَ طَاهِرٌ، وَلَوْ كَانَ الْمَاءُ الْقَلِيلُ إِذَا اخْتَلَطَ بِالنَّجَاسَةِ وَهُوَ غَالِبٌ عَلَيْهَا نَجَسًا مَا طَهُرَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ ثَوْبٌ أَبَدًا، إِلَّا أَنْ يُغْسَلَ فِي قَصْعَةٍ عَظِيمَةٍ أَوْ مَاءٍ جَارٍ،

وَذَلِكَ أَنَّ الثَّوْبَ إِذَا طُرِحَ فِي إِنَاءٍ وَصُبَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ اخْتَلَفَتِ النَّجَاسَةُ الَّتِي فِي الثَّوْبِ بِالْمَاءِ الْمَصْبُوبُ فِي الْإِنَاءِ، فَإِذَا عُصِرَ بَقِيَ الثَّوْبُ نَجِسًا عَلَى حَالِهِ، ثُمَّ إِنْ طُرِحَ الثَّوْبُ النَّجَسُ الَّذِي هَذَا سَبِيلُهُ فِي الْإِنَاءِ ثَانِيًا اخْتَلَطَ الْمَاءُ الْمَصْبُوبُ فِي الْإِنَاءِ بِالنَّجَاسَةِ،

وَكَذَلِكَ لَوْ فُعِلَ ذَلِكَ بِهِ ثَالِثًا أَوْ رَابِعًا، وَلَا يَطْهُرُ ثَوْبٌ فِي قَوْلِ مَنْ نَجَّسَ الْمَاءَ الْقَلِيلَ بِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ___أَبَدًا، وَلَمَّا أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الثَّوْبَ يَطْهُرُ بِالْغَسْلَةِ الثَّالِثَةِ، إِذًا لَمْ يَبْقَ فِيهِ أَثَرٌ لَمْ يُذْهِبْهُ الْمَاءُ، دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ إِذَا غَلَبَ عَلَى النَّجَاسَةِ كَانَ طَاهِرًا بِكُلِّ حَالٍ. وَقَدِ احْتَجَّ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْقَائِلِينَ بِالْقُلَّتَيْنِ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ:

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ، ثنا عَفَّانُ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أنا عَاصِمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: كُنَّا فِي بُسْتَانٍ لَهُ أَوْ لِعُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَقَامَ إِلَى نَهَرِ الْبُسْتَانِ فَتَوَضَّأَ مِنْهُ وَفِيهِ جِلْدُ بَعِيرٍ، فَقُلْتُ: أَتَوَضَّأُ مِنْهُ وَفِيهِ جِلْدُ هَذَا الْبَعِيرِ؟

فَقَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَنْجُسْ»." اهـ

 

معالم السنن (1/ 37_38) للخطابي :

"قد يتوهم كثير من الناس إذا سمع هذا الحديث أنَّ هذا كان منهم عادة وأنهم كانوا يأتون هذا الفعل قصدا وتعمدا وهذا ما لا يجوز أن يظن بذمي بل بوثني فضلا عن مسلم،

ولم يزل من عادة الناس قديما وحديثا مسلمهم وكافرهم تنزيه المياه وصونها عن النجاسات، فكيف يظن بأهل ذلك الزمان، وهم أعلى طبقات أهل الدين وأفضل جماعة المسلمين. والماء في بلادهم أعز والحاجة إليه أمس أن يكون هذا صنيعهم بالماء وامتهانهم له،

وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من تغوط في موارد الماء ومشارِعِه، فكيف من اتخذ عيون الماء ومنابعه رصدا لأنجاس ومطرحا للأقذار، هذا ما لا يليق بحالهم،

وإنما كان هذا من أجل أن هذه البئر موضعها في حَدور من الأرض وأن السيول كانت تكسح هذه الأقذار من الطرق والأفنية وتحملها فتلقيها فيها وكان الماء لكثرته لا يؤثر فيه وقوع هذه الأشياء ولا يغيره،

فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شأنها ليعلموا حكمها في الطهارة والنجاسة فكان من جوابه لهم أن الماء لا ينجسه شيء يريد الكثير منه الذي صفته صفة ماء هذه البئر في غزارته وكثرة جمامه لأن السؤال إنمّا وقع عنها___بعينها فخرج الجواب عليها،

وهذا لا يخالف حديث القلتين إذ كان معلوماً أن الماء في بئر بضاعة يبلغ القلتين فأحد الحديثين يوافق الآخر ولا يناقضه والخاص يقضي على العام ويبينه ولا ينسخه." اهـ

 

عون المعبود وحاشية ابن القيم (1/ 83)

وَاَلَّذِي يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ فِي بِئْر بُضَاعَةَ أَنَتَوَضَّأُ مِنْهَا وَهِيَ بِئْر يُطْرَح فِيهَا الْحَيْض وَلُحُوم الْكِلَاب وَعُذْر النَّاس فَقَالَ الْمَاء طَهُور لَا يُنَجِّسهُ شَيْء

فَهَذَا نَصّ صَحِيح صَرِيح عَلَى أَنَّ الْمَاء لَا يَنْجُس بِمُلَاقَاةِ النَّجَاسَة مَعَ كَوْنه وَاقِفًا فَإِنَّ بِئْر بُضَاعَةَ كَانَتْ وَاقِفَة وَلَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْده بِالْمَدِينَةِ مَاء جَارٍ أَصْلًا

فَلَا يَجُوز تَحْرِيم مَا أَبَاحَهُ وَفَعَلَهُ قِيَاسًا عَلَى مَا نَهَى عَنْهُ وَيُعَارَض أَحَدهمَا بِالْآخَرِ بَلْ يُسْتَعْمَل هَذَا وَهَذَا هَذَا فِي مَوْضِعه وَهَذَا فِي مَوْضِعه وَلَا تضرب سنة رسول الله بعضها ببعض

فوضوؤه مِنْ بِئْر بُضَاعَةَ وَحَالهَا مَا ذَكَرُوهُ لَهُ دَلِيل عَلَى أَنَّ الْمَاء لَا يَتَنَجَّس بِوُقُوعِ النَّجَاسَة فِيهِ مَا لَمْ يَتَغَيَّر

وَنَهْيه عَنْ الْغُسْل فِي الْمَاء الدَّائِم بَعْد الْبَوْل فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ إِفْضَائِهِ إِلَى تَلَوُّثه بِالْبَوْلِ كَمَا ذَكَرْنَا عَنْهُ التَّعْلِيل بِنَظِيرِهِ فَاسْتَعْمَلْنَا السُّنَن عَلَى وُجُوههَا

وَهَذَا أَوْلَى مِنْ حَمْل حَدِيث بِئْر بُضَاعَةَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ أَكْثَر مِنْ قلتين لأن النبي لَمْ يُعَلِّل بِذَلِكَ وَلَا أَشَارَ إِلَيْهِ وَلَا دَلَّ كَلَامه عَلَيْهِ بِوَجْهٍ

وَإِنَّمَا عَلَّلَ بِطَهُورِيَّةِ الْمَاء وَهَذِهِ عِلَّة مُطَّرِدَة فِي كُلّ مَاء

قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَلَا يَرِد الْمُتَغَيِّر لِأَنَّ طَهُور النَّجَاسَة فِيهِ يَدُلّ عَلَى تَنَجُّسه بِهَا فَلَا يَدْخُل فِي الْحَدِيث عَلَى أَنَّهُ مَحَلّ وفاق فلا يناقض به

وأيضا فلو أراد النَّهْي عَنْ اِسْتِعْمَال الْمَاء الدَّائِم الْيَسِير إِذَا وَقَعَتْ فِيهِ أَيّ نَجَاسَة كَانَتْ لَأَتَى بِلَفْظٍ يَدُلّ عَلَيْهِ

وَنَهْيه عَنْ الْغُسْل فِيهِ بَعْد الْبَوْل لَا يَدُلّ عَلَى مِقْدَار وَلَا تَنْجِيس فَلَا يُحَمَّل مَا لَا يَحْتَمِلهُ

ثُمَّ إِنَّ كُلّ مَنْ قَدَّرَ الْمَاء الْمُتَنَجِّس بِقَدْرٍ خَالَفَ ظَاهِر الْحَدِيث

فَأَصْحَاب الْحَرَكَة خَالَفُوهُ بِأَنْ قَدَّرُوهُ بِمَا لَا يَتَحَرَّك طَرَفَاهُ وَأَصْحَاب النَّزْح خَصُّوهُ بِمَا لَا يُمْكِن نَزْحه وَأَصْحَاب الْقُلَّتَيْنِ خَصُّوهُ بِمِقْدَارِ الْقُلَّتَيْنِ

وَأَسْعَد النَّاس بِالْحَدِيثِ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى ظَاهِره وَلَمْ يَخُصّهُ وَلَمْ يُقَيِّدهُ بَلْ إِنْ كَانَ تَوَاتُر الْأَبْوَال فِيهِ يُفْضِي إِلَى إِفْسَاده مَنَعَ مِنْ جَوَازهَا وَإِلَّا مَنَعَ مِنْ اِغْتِسَاله فِي مَوْضِع بَوْله كَالْبَحْرِ وَلَمْ يَمْنَع مِنْ بَوْله فِي مَكَان وَاغْتِسَاله فِي غَيْره

وَكُلّ مَنْ اِسْتَدَلَّ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيث عَلَى نَجَاسَة الْمَاء الدَّائِم لِوُقُوعِ النَّجَاسَة فِيهِ فَقَدْ تَرَكَ مِنْ ظَاهِر الْحَدِيث مَا هُوَ أَبْيَن دَلَالَة مِمَّا قَالَ بِهِ وَقَالَ بِشَيْءٍ لَا يَدُلّ عَلَيْهِ لَفْظ الْحَدِيث

لِأَنَّهُ إِنْ عَمَّمَ النَّهْي فِي كُلّ مَاء بَطَلَ اِسْتِدْلَاله بِالْحَدِيثِ وإن خصه بقدر خَالَفَ ظَاهِره وَقَالَ مَا لَا دَلِيل عَلَيْهِ وَلَزِمَهُ أَنْ يُجَوِّز الْبَوْل فِيمَا عَدَا ذَلِكَ الْقَدْر وَهَذَا لَا يَقُولهُ أَحَد

فَظَهَرَ بُطْلَان الِاسْتِدْلَال بِهَذَا الْحَدِيث عَلَى التَّنْجِيس بِمُجَرَّدِ الْمُلَاقَاة على كل تقدير

وأما من قدره بِالْحَرَكَةِ فَيَدُلّ عَلَى بُطْلَان قَوْله أَنَّ الْحَرَكَة مُخْتَلِفَة اِخْتِلَافًا لَا يَنْضَبِط وَالْبَوْل قَدْ يَكُون قَلِيلًا وَقَدْ يَكُون كَثِيرًا وَوُصُول النَّجَاسَة إِلَى الْمَاء أَمْر حِسِّيّ وَلَيْسَ تَقْدِيره بِحَرَكَةِ الطَّهَارَة الصُّغْرَى أَوْ الْكُبْرَى أَوْلَى مِنْ سَائِر أَنْوَاع الحركات فيا لله العجب حَرَكَة الطَّهَارَة مِيزَان وَمِعْيَار عَلَى وُصُول___

عون المعبود وحاشية ابن القيم (1/ 84)

النَّجَاسَة وَسَرَيَانهَا مَعَ شِدَّة اِخْتِلَافهَا وَنَحْنُ نَعْلَم بِالضَّرُورَةِ أَنَّ حَرَكَة الْمُغْتَسِل تَصِل إِلَى مَوْضِعٍ لَا تَصِل إِلَيْهِ الْقَطْرَة مِنْ الْبَوْل وَنَعْلَم أَنَّ الْبَوْلَة الْكَبِيرَة تَصِل إِلَى مَكَان لَا تَصِل إِلَيْهِ الْحَرَكَة الضَّعِيفَة وَمَا كَانَ هَكَذَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُجْعَل حَدًّا فَاصِلًا بَيْن الْحَلَال وَالْحَرَام

وَالَّذِينَ قَدَّرُوهُ بِالنَّزْحِ أَيْضًا قَوْلهمْ بَاطِل فَإِنَّ الْعَسْكَر الْعَظِيم يُمْكِنهُمْ نَزْح مَا لَا يُمْكِن الْجَمَاعَة الْقَلِيلَة نَزْحه

وَأَمَّا حَدِيث وُلُوغ الْكَلْب فَقَالُوا لَا يُمْكِنكُمْ أَنْ تَحْتَجُّوا بِهِ عَلَيْنَا فَإِنَّهُ مَا مِنْكُمْ إِلَّا مَنْ خَالَفَهُ أَوْ قَيَّدَهُ أَوْ خَصَّصَهُ فَخَالَفَ ظَاهِره فَإِنْ اِحْتَجَّ بِهِ عَلَيْنَا مَنْ لَا يُوجِب التَّسْبِيع وَلَا التُّرَاب كَانَ اِحْتِجَاجه بَاطِلًا

فَإِنَّ الْحَدِيث إِنْ كَانَ حُجَّة لَهُ فِي التَّنْجِيس بِالْمُلَاقَاةِ فَهُوَ حُجَّة عَلَيْهِ فِي الْعَدَد وَالتُّرَاب

فَأَمَّا أَنْ يَكُون حُجَّة لَهُ فِيمَا وَافَقَ مَذْهَبه وَلَا يَكُون حُجَّة عَلَيْهِ فِيمَا خَالَفَهُ فَكَلَّا

ثُمَّ هُمْ يَخُصُّونَهُ بِالْمَاءِ الَّذِي لَا تَبْلُغ الْحَرَكَة طَرَفَيْهِ وَأَيْنَ فِي الْحَدِيث مَا يَدُلّ عَلَى هَذَا التَّخْصِيص ثُمَّ يَظْهَر تَنَاقُضهمْ مِنْ وَجْه آخَر وَهُوَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْمَاء رَقِيقًا جِدًّا وَهُوَ مُنْبَسِط اِنْبِسَاطًا لَا تَبْلُغهُ الْحَرَكَة أَنْ يَكُون طَاهِرًا وَلَا يُؤَثِّر الْوُلُوغ فِيهِ وَإِذَا كَانَ عَمِيقًا جِدًّا وَهُوَ مُتَضَايِق بِحَيْثُ تَبْلُغ الْحَرَكَة طَرَفَيْهِ أَنْ يَكُون نَجِسًا وَلَوْ كَانَ أَضْعَاف أَضْعَاف الْأَوَّل

وَهَذَا تَنَاقُض بَيِّن لَا مَحِيد عَنْهُ

قَالُوا وَإِنْ اِحْتَجَّ بِهِ مَنْ يَقُول بِالْقُلَّتَيْنِ فَإِنَّهُ يُخَصِّصهُ بِمَا دُون الْقُلَّتَيْنِ وَيَحْمِل الْأَمْر بِغَسْلِهِ وَإِرَاقَته عَلَى هَذَا الْمِقْدَار وَمَعْلُوم أَنَّهُ لَيْسَ فِي اللَّفْظ مَا يُشْعِر بِهَذَا بِوَجْهٍ وَلَا يَدُلّ عَلَيْهِ بِوَاحِدَةٍ مِنْ الدَّلَالَات الثَّلَاث

وَإِذَا كَانَ لَا بُدّ لَهُمْ مِنْ تَقْيِيد الْحَدِيث وَتَخْصِيصه وَمُخَالَفَة ظَاهِره كَانَ أَسْعَد النَّاس بِهِ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى الْوُلُوغ الْمُعْتَاد فِي الْآنِيَة الْمُعْتَادَة الَّتِي يُمْكِن إِرَاقَتهَا وَهُوَ وُلُوغ مُتَتَابِع فِي آنِيَة صِغَار

يَتَحَلَّل مِنْ فَم الْكَلْب فِي كل مرة ريق ولعاب نحس يُخَالِط الْمَاء وَلَا يُخَالِف لَوْنَهُ لَوْنه فَيَظْهَر فِيهِ التَّغَيُّر فَتَكُون أَعْيَان النَّجَاسَة قَائِمَة بِالْمَاءِ وَإِنْ لَمْ تُرَ فَأَمَرَ بِإِرَاقَتِهِ وَغَسْل الْإِنَاء

فَهَذَا الْمَعْنَى أَقْرَب إِلَى الْحَدِيث وَأَلْصَق بِهِ وَلَيْسَ فِي حَمْله عَلَيْهِ مَا يُخَالِف ظَاهِره

بَلْ الظَّاهِر أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ الْآنِيَة الْمُعْتَادَة الَّتِي تُتَّخَذ لِلِاسْتِعْمَالِ فَيَلَغ فِيهَا الْكِلَاب فَإِنْ كَانَ حَمْله عَلَى هَذَا مُوَافَقَة لِلظَّاهِرِ فَهُوَ الْمَقْصُود وَإِنْ كَانَ مُخَالَفَة لِلظَّاهِرِ فَلَا رَيْب أَنَّهُ أَقَلّ مُخَالَفَة مِنْ حَمْله عَلَى الْأَقْوَال الْمُتَقَدِّمَة

فَيَكُون أَوْلَى عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ

قَالُوا وَأَمَّا حَدِيث النَّهْي عَنْ غَمْس الْيَد فِي الْإِنَاء عِنْد الْقِيَام مِنْ نَوْمه فَالِاسْتِدْلَال بِهِ أَضْعَف مِنْ هَذَا كُلّه فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيث مَا يَدُلّ عَلَى نَجَاسَة الْمَاء

وَجُمْهُور الْأُمَّة عَلَى طَهَارَته وَالْقَوْل بِنَجَاسَتِهِ مِنْ أَشَذِّ الشَّاذِّ وَكَذَا الْقَوْل بِصَيْرُورَتِهِ مُسْتَعْمَلًا ضَعِيف أَيْضًا وَإِنْ كَانَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ وَاخْتِيَار الْقَاضِي وَأَتْبَاعه وَاخْتِيَار أَبِي بَكْر وَأَصْحَاب أَحْمَدَ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيث دَلِيل عَلَى فَسَاد الْمَاء

وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ النَّهْي عَنْ الْبَوْل فِيهِ لَا يَدُلّ عَلَى فَسَاده بِمُجَرَّدِ الْبَوْل فَكَيْف يغمس الْيَد فِيهِ بَعْد الْقِيَام مِنْ النَّوْم وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي النَّهْي عَنْهُ فَقِيلَ تَعَبُّدِيّ وَيَرُدّ هَذَا الْقَوْل أَنَّهُ مُعَلَّل فِي الْحَدِيث بِقَوْلِهِ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَده

 

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (1/ 332)

قَدْ رُوِيَ عنه صلى الله عليه وسلم الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إِلَّا مَا غَلَبَ عَلَيْهِ فَغَيَّرَ طَعْمَهُ أَوْ لَوْنَهُ أَوْ رِيحَهُ وَهَذَا إِجْمَاعٌ فِي الْمَاءِ الْمُتَغَيِّرِ بِالنَّجَاسَةِ وَإِذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا فَقَدْ زَالَ عَنْهُ اسم الماء مطلقا

 

الإيجاز في شرح سنن أبي داود للنووي (ص: 293)

واعلم أن حديث بئر بضاعة لا يخالف حديث القُلَّتين؛ لأن ماءها كان فوق القُلتين كما ذكرنا، فحديث بئر بضاعة يخصّ منه شيئان:

أحدهما: إذا كان دون قُلَّتين.

والثاني: المتغير بالنجاسة.

 

توضيح الأحكام من بلوغ المرام (1/ 120)

* ما يؤخذ من الحديثين:

1 - يدل الحديثان على أنَّ الأصل في الماء الطهارة.

2 - يُقَيَّد هذا الإطلاق بما إذا لاقته النجاسة، فظهر ريحها أو طعمها أو لونها فيه؛ فإنَّها تنجسه، قلَّ الماء أو كثر.

3 - الذي يقيد هذا الإطلاق هو إجماع الأمَّة على أنَّ الماء المتغيِّر بالنجاسة نجسٌ، سواءٌ كان قليلاً أو كثيرًا.

أمَّا الزيادة التي جاءت في حديث أبي أُمامة، فهي ضعيفة لا تقوم بها حجَّة، لكن قال النووي: أجمع العلماء على القول بحكم هذه الزيادة.

وقال ابن المنذر: أجمع العلماء على أنَّ الماء القليل والكثير إذا وقعت فيه نجاسة، فغيَّرت له طعمًا، أو لونًا، أو ريحًا، فهو نجس.

قال ابن الملقِّن: فتلخَّص أنَّ الاستثناء المذكور ضعيف؛ فتعيَّن الاحتجاج بالإجماع؛ كما قال الشافعي والبيهقي وغيرهما.

قال شيخ الإِسلام: ما أجمع عليه المسلمون فإنَّه يكون منصوصًا عليه؛ ولا نعلم مسألة واحدة أجمع عليها المسلمون ولا نصَّ فيها.

 

ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (5/ 328)

في فوائده:

* منها: كون الماء طهورا، لا ينجسه شيء مما يخالطه ما لم يتغيرأحد أوصافه، للإجماع على نجاسته بذلك، * وما لم يكن أقل من القلتين، لحديث القلتين.

* ومنها: سؤال أهل العلم في الأشياء التي تلتبس على الإنسان، ليكون على بصيرة منها.

* ومنها: نجاسة هذه الأشياء التي هي لحوم الكلاب والحيض والنَّتن، كالعَذرة والجيفَة.

 

فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية (1/ 63)

في هذا الحديث من الفوائد: أن الماء طهور مطهر من كل نجاسة سواء كانت نجاسة مغلظة كنجاسة الكلب، أو مخففة كنجاسة الصبي الذي لم يأكل الطعام، أو بين ذلك، وسواء كانت الطهارة حدث أو طهارة خبث، فالماء يطهرها.

ومن فوائد هذا الحديث: أن الأصل في الماء الطهارة لقوله: "إن الماء طهور". وعلى هذا فإذا شككنا في ماء هل هو طهور أو نجس؟ فهو طهور.

ومن فوائد هذا الحديث: أن الماء إذا تغير بطاهر فإنه طهور لقوله: "لا ينجسه شيء".

ومن فوائد الحديث: طهارة الماء إذا غمس الإنسان يده فيه بعد قيامه من نوم الليل مع أن الرسول نهى الرجل إذا قام من النوم من الليل أن يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا، لكن الرسول - عليه الصلاة والسلام- لم يقل: إن الماء نجس، وإنما نهى عن الغمس فقط، وإذا كان لم يقل: إنه ينجس دخل في عموم هذا الحديث أنه يكون طهورا باقيا على طهوريته.

ومن فوائد هذا الحديث: جواز تخصيص السنة بالإجماع لقوله: "لا ينجسه شيء". قلنا: إن هذا مخصوص بالإجماع؛ لأن الماء إذا تغير بالنجاسة فإنه يكون نجسا على أن هذا التخصيص قد يعارض في كونه ثابتا بالإجماع؛ لأن هناك نصوصا تومئ إلى أن ما تغير بالنجاسة فهو نجس كما سنذكره - إن شاء الله- فيما بعد. اه

 

المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (1/ 234) لمحمود السبكي :

(فقه الحديث) دل الحديث على أن الماء لا يتنجس بوقوع شئ فيه سواء أكان قليلا أم كثيرا ولو تغيرت أوصافه، لكن قام الإجماع على أن الماء إذا تغير أحد أوصافه بالنجاسة خرج عن الطهورية فكان الاحتجاح به على نجاسة ما تغير بحلول نجاسة فيه لا بالاستثناء في حديث إن الماء طهور إلا إن تغير ريحه أو لونه أو طعمه بنجاسة تحدث فيه رواه البيهقي عن أبي أمامة ورجح أبو حاتم إرساله، وقال الدارقطني لا يثبت هذا الحديث، فلذا لم يحتج بهذا الاستثناء فلا ينجس الماء بما لاقاه ولو كان قليلا إلا إذا تغير.

Komentar

Postingan populer dari blog ini

الحديث العشرون من صحيح الترغيب بشرح الأستاذ عبد القادر البوجيسي

الوجه السادس والعشرون إلى الوجه الثامن والعشرون من كتاب مفتاح دار السعادة