التقوى حقيقتها أهميتها وفضائلها وفوائدها

أهمية التقوى

 

حثّ الله -تعالى- عباده على التقوى في آياتٍ كثيرةٍ من القرآن الكريم، مما يدل على مكانة التقوى وأهميتها،

فقد قال سبحانه : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]

 

بل إنّ من العبادات كالصيام التي تكون سبباً للوصول لدرجة المتقين، فقد قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183]

 

ووعد سبحانه من يتقيه بالفوز، فقد قال سبحانه : {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ } [النور: 52]

 

وقد جعل الله -تعالى- القرآن الكريم هُدًى للمتقين، فقد قال سبحانه: {ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2]

 مما يدل على أهمية التقوى ومكانتها عند الله تعالى.

 

فصل : حقيقة التقوى

 

التعريفات (ص: 65) للشريف الجرجاني :

"التقوى في اللغة : بمعنى الاتقاء، وهو اتخاذ الوقاية، وعند أهل الحقيقة: هو الاحتراز بطاعة الله عن عقوبته، وهو صيانة النفس عما تستحق به العقوبة من فعل أو ترك." اهـ

 

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز (2/ 299_300) للفيروزآبادي :

"بصيرة فى التقوى

وهى مشتقَّة من الوِقَايَة، وهى حفظ الشئِ ممّا يؤذيه، ويضرّه. يقال: وقاه وَقْياً ووِقاية وواقية: صانه. والتَّوقية: الكلاءَة، والحفظ. وقيل: الأَصل فيها وِقاية النِّساءِ الَّتى تستُر المرأَةُ بها رأْسها، تقيها من غبار، وحرّ، وبرد. والوِقاية: ما وقيت به شيئاً. ومن ذلك فرس واق: إِذا كان يَهاب المشىَ من وجَعٍ يجده فى حافره.___

والتَّقوى والتُّقى واحد. والتُّقَاةُ: التقِيّة. يقال: اتَّقى تقِيّة، وتُقَاةً. قال الله - تعالى -: {إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً} .

والتَّقِىّ: المتَّقى، وهو مَن جعل بينه وبين المعاصى وِقاية تحول بينه وبينها: من قوّة عزمه على تركها، وتوطين قلبه على ذلك. فلذلك قيل له: متَّقٍ.

والتَّقوى البالغة الجامعة: اجتنابُ كلّ ما فيه ضرر لأَمر الدين، وهو المعصية، والفضول. فعلى ذلك ينقسم على فرض، ونفل." اهـ

 

جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (1/ 400)

* وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : "الْمُتَّقُونَ الَّذِينَ يَحْذَرُونَ مِنَ اللَّهِ عُقُوبَتَهُ فِي تَرْكِ مَا يَعْرِفُونَ مِنَ الْهُدَى، وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ فِي التَّصْدِيقِ بِمَا جَاءَ بِهِ".

* وَقَالَ الْحَسَنُ : "الْمُتَّقُونَ اتَّقَوْا مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَأَدَّوْا مَا افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ."

* وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ : "لَيْسَ تَقْوَى اللَّهِ بِصِيَامِ النَّهَارِ، وَلَا بِقِيَامِ اللَّيْلِ، وَالتَّخْلِيطِ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ، وَلَكِنَّ تَقْوَى اللَّهِ تَرْكُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ، وَأَدَاءُ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ، فَمَنْ رُزِقَ بَعْدَ ذَلِكَ خَيْرًا، فَهُوَ خَيْرٌ إِلَى خَيْرٍ."

* وَقَالَ طَلْقُ بْنُ حَبِيبٍ: "التَّقْوَى أَنْ تَعْمَلَ بِطَاعَةِ اللَّهِ عَلَى نُورٍ مِنَ اللَّهِ تَرْجُو ثَوَابَ اللَّهِ، وَأَنْ تَتْرُكَ مَعْصِيَةَ اللَّهِ عَلَى نُورٍ مِنَ اللَّهِ تَخَافُ عِقَابَ اللَّهِ. " اهـ

وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ : "تَمَامُ التَّقْوَى أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ الْعَبْدُ حَتَّى يَتَّقِيَهُ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ، وَحَتَّى يَتْرُكَ بَعْضَ مَا يَرَى أَنَّهُ حَلَالٌ خَشْيَةَ أَنْ يَكُونَ حَرَامًا يَكُونُ حِجَابًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَرَامِ[1]، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ بَيَّنَ لِلْعِبَادِ الَّذِي يُصَيِّرُهُمْ إِلَيْهِ، فَقَالَ :

{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزَّلْزَلَةِ: 7_8]،

فَلَا تَحْقِرَنَّ شَيْئًا مِنَ الْخَيْرِ أَنْ تَفْعَلَهُ، وَلَا شَيْئًا مِنَ الشَّرِّ أَنْ تَتَّقِيَهُ." اهـ

 

المفردات في غريب القرآن (ص: 881)

والتَّقْوَى جعل النّفس في وِقَايَةٍ مما يخاف، هذا تحقيقه، ثمّ يسمّى الخوف تارة تَقْوًى، والتَّقْوَى خوفاً حسب تسمية مقتضى الشيء بمقتضيه والمقتضي بمقتضاه،

وصار التَّقْوَى في تعارف الشّرع حفظ النّفس عمّا يؤثم، وذلك بترك المحظور، ويتمّ ذلك بترك بعض المباحات لما روي: «الحلال بيّن، والحرام بيّن، ومن رتع حول الحمى فحقيق أن يقع فيه»[2]

 

وقال ابن القيم _رحمه الله_ في "الرسالة التبوكية" = "زاد المهاجر إلى ربه" (ص: 13) :

«وأما التقوى، فحقيقتها : العمل بطاعة الله إيماناً واحتساباً، أمراً ونهياً،

فيفعل ما أمر الله به إيمانا بالأمر وتصديقا بوعده، ويترك ما نهى الله عنه إيماناً بالنهي وخوفاً من وعيده،

كما قال طلق بن حبيب : "إذا وقعت الفتنة فاطفئوها بالتقوى."

قالوا : وما التقوى؟

قال : "أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجوا ثواب الله وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله."» [أخرجه : ابن أبي شيبة في مصنفه (6/ 164 و 7/ 182) (رقم : 30356 و 35160)، وفي الإيمان (ص: 39) (رقم : 99)، الزهد لهناد بن السري (1/ 296) (رقم : 522)،

الإبانة الكبرى لابن بطة (2/ 598) (رقم : 766)، حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (3/ 64)، الزهد الكبير للبيهقي (ص: 351) (رقم : 965)]

وهذا أحسن ما قيل في حد التقوى.

فان كل عمل لابد له من مبدأ وغاية، فلا يكون العمل طاعة وقربة حتى يكون مصدره عن الإيمان فيكون الباعث عليه هو الإيمان المحض، لا العادة ولا الهوى ولا طلب المحمدة والجاه وغير ذلك بل لابد أن يكون مبدؤه محض الإيمان وغايته ثواب الله وابتغاء مرضاته وهو الاحتساب." اهـ

 

والتقوى من القيم الإيمانية التي حرص الإسلام على تربية المسلم عليها؛ لأن المسلم إذا تربىّ عليها كان مؤديا لما أوجب الله -تعالى- عليه،

 

فتراه يحافظ على الطاعات، ويجتنب المحرمات كبيرها وصغيرها، وهي وصية الله للأولين و الآخرين، فقد قال سبحانه: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ۚ وَإِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا}.

 

وقال ابن رجب _رحمه الله_ في "جامع العلوم والحكم"، ت. الأرنؤوط (1/ 398) :

«فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَتَّقُوهُ حَقَّ تُقَاتِهِ، وَالتَّقْوَى وَصِيَّةُ اللَّهِ لِلْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ. قَالَ تَعَالَى : {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء: 131] [النِّسَاءِ: 131]،

وَأَصْلُ التَّقْوَى : أَنْ يَجْعَلَ الْعَبْدُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يَخَافُهُ وَيَحْذَرُهُ وِقَايَةً تَقِيهِ مِنْهُ، فَتَقْوَى الْعَبْدِ لِرَبِّهِ : أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يَخْشَاهُ مِنْ رَبِّهِ مِنْ غَضَبِهِ وَسُخْطِهِ وَعِقَابِهِ وِقَايَةً تَقِيهِ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ فِعْلُ طَاعَتِهِ وَاجْتِنَابُ مَعَاصِيهِ»

 

فوائد التقوى :

 

إنّ المسلم إذا التزم تقوى الله -تعالى- عاد ذلك عليه بالفائدة في الدنيا والآخرة، فقد وعد الله -تعالى- في كتابه الكريم من يتقيه بالعديدِ من الأمور،

وإذا علم العبد ما يعود عليه من الفائدة إذا اتقى الله تعالى، سيحرص على تقواه سبحانه،

 

ومن هذه الفوائد :

* تفريج الكروب، وسعة الرزق:

فقد قال سبحانه : {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2، 3]

 

تفسير القرطبي (18/ 160) :

"وَقَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ : وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ فِي اتِّبَاعِ السُّنَّةِ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً مِنْ عُقُوبَةِ أَهْلِ الْبِدَعِ، وَيَرْزُقُهُ الْجَنَّةَ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ. وَقِيلَ: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ فِي الرِّزْقِ بِقَطْعِ الْعَلَائِقِ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا بِالْكِفَايَةِ.

وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عُثْمَانَ الصَّدَفِيُّ: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ فَيَقِفُ عِنْدَ حُدُودِهِ وَيَجْتَنِبُ مَعَاصِيَهُ يُخْرِجْهُ مِنَ الْحَرَامِ إِلَى الْحَلَالِ، وَمِنَ الضِّيقِ إِلَى السَّعَةِ، وَمِنَ النَّارِ إِلَى الْجَنَّةِ." اهـ

 

الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي = الداء والدواء (ص: 52)

"تَقْوَى اللَّهِ مَجْلَبَةٌ لِلرِّزْقِ فَتَرْكُ التَّقْوَى مَجْلَبَةٌ لِلْفَقْرِ، فَمَا اسْتُجْلِبَ رِزْقُ اللَّهِ بِمِثْلِ تَرْكِ الْمَعَاصِي." اهـ

 

وفي تفسير ابن كثير ت سلامة (8/ 146)

وَقَوْلُهُ : {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}

أَيْ : وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ، وتَرَك مَا نَهَاهُ عَنْهُ، يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ، أَيْ: مِنْ جِهَةٍ لَا تَخْطُرُ بِبَالِهِ." اهـ

 

وفي مجموع الفتاوى (8/ 526) :

"قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: مَا احْتَاجَ تَقِيٌّ قَطُّ. يَقُولُ: إنَّ اللَّهَ ضَمِنَ لِلْمُتَّقِينَ أَنْ يَجْعَلَ لَهُمْ مَخْرَجًا مِمَّا يَضِيقُ عَلَى النَّاسِ وَأَنْ يَرْزُقَهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُونَ فَيَدْفَعُ عَنْهُمْ مَا يَضُرُّهُمْ وَيَجْلِبُ لَهُمْ مَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ. فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ دَلَّ عَلَى أَنَّ فِي التَّقْوَى خَلَلًا فَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ وَلْيَتُبْ إلَيْهِ." اهـ

 

مجموع الفتاوى (16/ 52) :

"بَيَّنَ فِيهَا أَنَّ الْمُتَّقِيَ يَدْفَعُ اللَّهُ عَنْهُ الْمَضَرَّةَ بِمَا يَجْعَلُهُ لَهُ مِنْ الْمَخْرَجِ وَيَجْلِبُ لَهُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ بِمَا يُيَسِّرُهُ لَهُ مِنْ الرِّزْقِ وَالرِّزْقُ اسْمٌ لِكُلِّ مَا يُغْتَذَى بِهِ الْإِنْسَانُ؛ وَذَلِكَ يَعُمُّ رِزْقَ الدُّنْيَا وَرِزْقَ الْآخِرَةِ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: مَا افْتَقَرَ تَقِيٌّ قَطُّ قَالُوا: وَلِمَ؟ قَالَ: لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}." اهـ

 

التبيان في أقسام القرآن (ص: 57) لابن القيم :

"التقوى وهي اجتناب ما نهى الله عنه وهذا من أعظم أسباب التيسير وضده من أسباب التعسير فالمتقي ميسرة عليه أمور دنياه وآخرته وتارك التقوى وإن يسرت عليه بعض أمور دنياه تعسر عليه من أمور آخرته بحسب ما تركه من التقوى وأما تيسير ما تيسر عليه من أمور الدنيا فلو اتقى الله لكان تيسيرها عليه أتم ولو قدر أنها لم تتيسر له فقد يسر الله له من الدنيا ما هو أنفع له مما ناله بغير التقى فإن طيب العيش ونعيم القلب ولذة الروح وفرحها وابتهاجها من أعظم نعيم الدنيا وهو أجل من نعيم أرباب الدنيا بالشهوات واللذات." اهـ

 

* الحصول على العلم النافع :

فقد قال سبحانه: {وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}

 

وقال شيخ الإسلام _رحمه الله_ في مجموع الفتاوى (18/ 178) :

«فَقَوْلُهُ : {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} قَدْ يَكُونُ مِنْ هَذَا الْبَابِ [يعني : دلالة الاقتران]، فَكُلٌّ مِنْ تَعْلِيمِ الرَّبِّ وَتَقْوَى الْعَبْدِ يُقَارِبُ الْآخَرَ وَيُلَازِمُهُ وَيَقْتَضِيهِ فَمَتَى عَلَّمَهُ اللَّهُ الْعِلْمَ النَّافِعَ اقْتَرَنَ بِهِ التَّقْوَى بِحَسَبِ ذَلِكَ وَمَتَى اتَّقَاهُ زَادَهُ مِنْ الْعِلْمِ وَهَلُمَّ جَرَّا» اهـ

 

* معيّة الله تعالى :

فقد قال سبحانه: { إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ}.[١٢]

 

وقال الخازن في "لباب التأويل في معاني التنزيل" (3/ 108) :

"وهذه المعية بالعون والفضل والرحمة، يعني : إن أردت أيها الإنسان أن أكون معك بالعون والفضل والرحمة، فكن من المتقين المحسنين،

وفي هذا إشارة إلى التعظيم لأمر الله، والشفقة على خلق الله. قال بعض المشايخ: كمال الطريق صدق مع الحق، وخلق مع الخلق وكمال الإنسان أن يعرف الحق لذاته والخير لأجل أن يعمل به، وقيل لهرم ابن حيان عند الموت: أوص. فقال: إنما الوصية في المال ولا مال لي، ولكني أوصيك بخواتيم سورة النحل. والله أعلم بمراده وأسرار كتابه." اهـ

 

 

* تكفير السيئات، والحصول على الأجر العظيم:

فقد قال سبحانه: {ذَٰلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ ۚ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا}.

 

وقال ابن عاشور في التحرير والتنوير (28/ 324) :

"وَأُعِيدَ التَّحْرِيضُ عَلَى الْعَمَلِ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِالْوَعَدِ بِمَا هُوَ أَعْظَمُ مِنَ الْأَرْزَاقِ وتفريج الكرب وتيسير الصُّعُوبَاتِ فِي الدُّنْيَا. وَذَلِكَ هُوَ تَكْفِيرٌ للسيئات وتوفير للأجور." اهـ

 

تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (8/ 262)

{وَمَن يَتَّقِ الله} بالمحافظةِ على أحكامِهِ {يُكَفّرْ عَنْهُ سيئاته} فإنَّ الحسناتِ يُذهبنَ السيئاتِ {وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً} بالمضاعفةِ

 

* التفريق بين الحق والباطل:

قال الله _تعالى_ : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الأنفال: 29]

 

إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (2/ 186)

والفرقان: هو العز والنصر، والنجاة والنور الذى يفرق بين الحق والباطل.

 

قال ابن القيم في إعلام الموقعين عن رب العالمين (4/ 199) :

"وَمِنْ الْفُرْقَانِ : النُّورُ الَّذِي يُفَرِّقُ بِهِ الْعَبْدُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَكُلَّمَا كَانَ قَلْبُهُ أَقْرَبَ إلَى اللَّهِ كَانَ فُرْقَانُهُ أَتَمَّ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ." اهـ

 

وفي إعلام الموقعين عن رب العالمين (1/ 69) :

"وَصِحَّةُ الْفَهْمِ نُورٌ يَقْذِفُهُ اللَّهُ فِي قَلْبِ الْعَبْدِ، يُمَيِّزُ بِهِ بَيْنَ الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ، وَالْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَالْهُدَى وَالضَّلَالِ، وَالْغَيِّ وَالرَّشَادِ، وَيَمُدُّهُ حُسْنُ الْقَصْدِ، وَتَحَرِّي الْحَقَّ، وَتَقْوَى الرَّبِّ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ، وَيَقْطَعُ مَادَّتُهُ اتِّبَاعَ الْهَوَى، وَإِيثَارَ الدُّنْيَا، وَطَلَبَ مَحْمَدَةِ الْخَلْقِ، وَتَرْكَ التَّقْوَى.

 

* الحفظ من كيد الكفار: فقد قال سبحانه: {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} [آل عمران: 120]

 

قال ابن الجوزي زاد المسير في علم التفسير (1/ 319) :

"وفي قوله تعالى : «وَتَتَّقُوا» قولان :

أحدهما : الشرك، قاله ابن عباس. والثاني : المعاصي، قاله مقاتل." اهـ

 

وقال ابن كثير في تفسيره، ت. سامي سلامة (2/ 109) :

"يُرْشِدُهُمْ تَعَالَى إِلَى السَّلَامَةِ مِنْ شَرِّ الْأَشْرَارِ وكَيْدِ الفُجّار، بِاسْتِعْمَالِ الصَّبْرِ وَالتَّقْوَى، وَالتَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ الَّذِي هُوَ مُحِيطٌ بِأَعْدَائِهِمْ،

فَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ لَهُمْ إِلَّا بِهِ، وَهُوَ الَّذِي مَا شَاءَ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ. وَلَا يَقَعُ فِي الْوُجُودِ شَيْءٌ إِلَّا بِتَقْدِيرِهِ وَمَشِيئَتِهِ، وَمَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْهِ كَفَاهُ." اهـ

 

 

* وعد الله -تعالى- المتقين بجنات النعيم :

فقد قال سبحانه : {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} [الحجر: 45]

 

أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (2/ 277)

بَيَّنَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ الْمُتَّقِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، وَيُقَالُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ وَذَكَرَ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ صِفَاتِ ثَوَابِهِمْ، وَرُبَّمَا بَيَّنَ بَعْضَ تَقْوَاهُمُ الَّتِي نَالُوا بِهَا هَذَا الثَّوَابَ الْجَزِيلَ كَقَوْلِهِ فِي الذَّارِيَاتِ: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [51 \ 15 - 19]

 

* وعد الله -تعالى- المتقين بالنجاة من النار :

فقد قال سبحانه : {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} [مريم: 72]

 

وقال ابن عاشور في التحرير والتنوير (16/ 150) :

"وَذِكْرُ إِنْجَاءِ الْمُتَّقِينَ: أَيِ الْمُؤْمِنِينَ، إِدْمَاجٌ بِبِشَارَةِ الْمُؤْمِنِينَ فِي أَثْنَاءِ وَعِيدِ الْمُشْرِكِينَ." اهـ

 

ومن فوائد التقوى

 

المعين على تفهم الأربعين ت دغش (ص: 239) لابن الملقن :

"وحصل لك من ذلك :

* المِدحةُ والثناء: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [آل عمران: 186].___

* والحفظُ والحِراسَةُ مِن الأعداء: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} [آل عمران: 120].

والثانية : والنَّصرُ: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا} [النحل: 128]، و {اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194)} [البقرة: 194].

* والنَّجاةُ مِن الشَّدائدِ، والرِّزقُ الحلال: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2 - 3].

* وإِصلاحُ العَمَلِ: {اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [الأحزاب: 70 - 71].

* وغُفرانُ الذُّنوبِ : {وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [الأحزاب: 71].

* والنُّورُ : {اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ} [الحديد: 28].

* والمحبةُ : {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [التوبة: 4] وما أعظمها وأنفعها.

* والإِكرَامُ : {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13].

* والبِشارةُ عندَ الموتِ: {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [يونس: 63 - 64].

* والنَّجاة مِن النَّار: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا} [مريم: 72]، {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى} [الليل: 17].

* والخلود في الجنة: {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133]." اهـ

 

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز (2/ 301_303) للفيروزآبادي :

"وأَمّا البِشَارَات الَّتى بشَّر الله تعالى بها الْمُتَّقِين فى القرآن :

فالأَوّل: البشرى بالكرامات: {الذين آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ لَهُمُ البشرى} .

الثانى: البشرى بالعون والنّصرة: {إِنَّ الله مَعَ الذين اتقوا} .

الثَّالث: بالعلم والحكمة: {إِن تَتَّقُواْ الله يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً} .

الرّابع: بكفَّارة الذّنوب وتعظيمه: {وَمَن يَتَّقِ الله يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً} .

السّادس: بالمغفرة: {واتقوا الله إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} .

السّابع: اليُسْر والسّهولة فى الأَمر: {وَمَن يَتَّقِ الله يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً} .

الثَّامن: الخروج من الغمّ والمِحنةِ: {وَمَن يَتَّقِ الله يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً} .

التَّاسع: رزق واسع، بأَمن وفراغ: {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ} .

العاشر: النَّجاة من العذاب، والعقوبة: {ثُمَّ نُنَجِّي الذين اتقوا} .

الحادى عشر: الفوز بالمراد: {وَيُنَجِّي الله الذين اتقوا بِمَفَازَتِهِمْ} {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً} .

الثانى عشر: التَّوفيق والعصمة: {ولاكن البر مَنْ آمَنَ بالله واليوم الآخر} إِلى قوله: {وأُولَئِكَ هُمُ المُتَّقُونَ} .____

الثالث عشر: الشهادة لهم بالصدق: {أولائك الذين صَدَقُواْ وأولائك هُمُ المتقون} .

الرابع عشر: بشارة الكرامة والأَكرمية: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ الله أَتْقَاكُمْ} .

الخامس عشر: بشارة المحبّ: {إِنَّ الله يُحِبُّ المتقين} .

السّادس عشر: الفلاح: {واتقوا الله لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} .

السّابع عشر: نيل الوصال، والقُربة: {ولاكن يَنَالُهُ التقوى مِنكُمْ} .

الثامن عشر: نيل الجزاء بالممحنة: {إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَِصْبِرْ فَإِنَّ الله لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المحسنين} .

التَّاسع عشر: قبول الصّدقة: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ الله مِنَ المتقين} .

العشرون: الصّفاء والصّفوة: {فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى القلوب} .

الحادى والعشرون: كمال العبودية: {اتقوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ} .

الثانى والعشرون: الجنَّات والعيون: {إِنَّ المتقين فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} .

الثالث والعشرون: الأَمْن من البليّة: {إِنَّ المتقين فِي مَقَامٍ أَمِينٍ} .

الرابع والعشرون: عزّ الفوقيْة على الخَلْق: {والذين اتقوا فَوْقَهُمْ يَوْمَ القيامة} .____

الخامس والعشرون: زوال الخوف والحزن من العقوبة: {فَمَنِ اتقى وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} .

السادس والعشرون: الأَزواج الموافِقة: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً} إِلى قوله: {وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً} .

السّابع والعشرون: قُرب الحضرة، واللِّقاءِ والرّؤية: {إِنَّ المتقين فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ. فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ} .

{أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سواء العذاب يَوْمَ القيامة} تنبيهٌ على شدّة ما ينالهم وأَن أَجدرَ شئ يتَّقون به من العذاب يوم القيامة هو وجوههم. فصار ذلك: كقوله. وقوله تعالى: {هُوَ أَهْلُ التقوى} أَى أَهل أَن يُتَّقى عقابُه. ورجل تقِىّ من أَتقياء وتُقَواء.

 

 

صفات المتقين :

 

تُعرف صفات المتقين من خلال القرآن الكريم، فقد ذكر الله -تعالى- في كثيرٍ من الآيات هذه الصفات، وعلى المسلم إذا علم هذه الصفات أنّ يلتزم بها؛ لكي يُكتب عند الله -تعالى- من المتقين، مما يعود عليه بالنفع في الدنيا والآخرة،

 

وفيما يأتي بيان بعضها:

 

1_ ذكر الله من صفاتهم : أنهم يؤمنون بالغيب إيمانًا جازمًا {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ . هدىً للمتقين الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [البقرة: 2:3].

 

2_ يعفون ويصفحون {وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة: 237].

 

3_ لا يقترفون الكبائر ولا يصرون على الصغائر، وإذا وقعوا  في ذنب سارعوا  إلى التوبة منه {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} [الأعراف: 201] سارعوا مباشرة إلى التوبة والإنابة إذا أصابتهم صغيرة.

 

4_ يتحرون الصّدق في الأقوال والأعمال {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [الزمر: 33]،

الذي جاء بالصدق هو محمد صلى الله عليه وسلم، والذي صدق به قيل هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه {أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة: 177]، هذا بيان أن المتقي يصدق.

 

5_ يعظمون شعائر الله {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32]،

 

وما معنى تعظيم شعائر الله؟؛ أن المرء يعظم حرمات ربه فلا ينتهكها، ويعظّم أوامر الله فيأتي بها على وجهها، ويأتي بأنفس الأشياء، فلو طُلِب منه هدي في الحج أو أضحية استسمنه واستحسنه وأتى به على أحسن وأنفس وأغلى ما يجد، هذا من تعظيم شعائر الله. وكان إشعار الهدي وهو تعليمه بعلامة حتى لا يؤخذ أو إذا ضاع يُعرف هذا ما يفعله الحاج من السنة.

 

6- يتحرون العدل ويحكمون به {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8] .الآية أساسًا في المشركين

 

والمشركون يُكرَهون ويُبْغَضُون، لأجل الشرك والكفر، ومع ذلك أمرنا أن نعدل فيهم.

 

وعلي بن أبي طالب لما اختصم مع يهودي، حكم عليه القاضي لما لم يأتِ ببينة، وسُلّمت الدرع لليهودي، فاندهش اليهودي كيف يُحكم له على أمير المؤمنين، و الدرع كان لعلي _رضي الله عنه_، ولم تكن له بيّنة، قال : "شهودي الحسن والحسين"، قال : "لا تجوز شهادة الأبناء للأب"،

قال : "سيّدا شباب أهل الجنة"، قال : "هذا في الجنّة"، فمن دهشة اليهودي مما رأى، قال :

"يا أمير المؤمنين أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله، الدرع درعك، سقطت منك وأنت خارج إلى صفّين، فاختلستها.

إذًا إذا رأى الكفار عدل المسلمين يمكن أن يسلموا.

 

7_ المتقون يتبعون سبيل الأنبياء والصادقين والمصلحين يكونون معهم،{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119]، فأهل الصدق هم أصحاب المتقين وإخوانهم ورفقاءهم وأهل جلوسهم وروّاد منتدياتهم.

 

8- يدع مالا بأس به حذرًا مما به بأس لأجل حديث: «دَع ما يريبُكَ إلى ما لا يريبُكَ» [الصحيح المسند: 320]،

 

تمام التقوى أن تتقي الله حتى تترك أحيانًا ما ترى بعض الحلال خشية أن تكون حرامًا، فالنبي _صلى الله عليه وسلم_ كان يرى تمرة، فيريد أن يأكلها، فيتركها، لأنه يخشى أن تكون سقطت من تمر الصدقة.

 

والورع يجب أن يكون ورعًا صحيحًا، فبعض الناس يفعلون الكبائر ثم يتورعون عن الأشياء اليسيرة!

 

فقد قال ابن عباس لرجل من الخوارج :

"عجبتُ لكم يا أهل العراق، تقتلون ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تسألون عن دم البعوض"،

 

فلذلك  ينبغي أن يكون الورع على أساس، امرئ ترك المحرمات ثم هو آخذ في الإعراض عن المشتبهات،

 

ولذلك لما سُئِل الإمام أحمد _رحمه الله_ عن رجل يشتري البقل ويشترط الخوصة أنه يخشى أن تكون هذه التي تربط بها حزمة البقل غير داخلة في البيع، فيشترط على البائع ذلك، قال : "ما هذه المسائل؟!"،

قالوا : فلان يفعل ذلك، إبراهيم بن أبي نعيم قال: هذا نعما هذا رجل يليق بحاله رجل متقي جدًا. وهو الذي سُئِل رحمه الله عن رجل له زوجة وأمه تأمره بطلاقها فقال : "إن كان برّ أمه في كل شيء حتى لم يبقَ إلا طلاق زوجته؛ يفعل، ولكن إن كان يبرها بطلاق زوجته ثم يقوم إلى أمه بعد ذلك فيضربها فلا يفعل".

الوسائل المعينة على التقوى :

 

التقوى هي الأساسُ المتينُ الذي يبني عليه المسلم حياته؛ لكي يكون من أكرم الناس عند الله تعالى، فقد قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}،[٢٦]

 

ومما يعين على التقوى:

 

* مراقبة الله -تعالى- والإكثار من ذكره وخوفه ورجائه.

* الالتزام الكامل بالإسلام عقيدةً وشريعة.

* الاقتداء بالرسول محمد صلّى الله عليه وسلّم.

* قراءة القرآن الكريم بتدبرٍ وخشوع.

* صحبة الأخيار من الناس.

* تعلم العلم النافع.

* ترديد الدعاء الآتي: عن زيد بن أرقم رضي الله عنه، حيث قال: لَا أَقُولُ لَكُمْ إلَّا كما كانَ رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ- يقولُ :

"اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بكَ مِنَ العَجْزِ، وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ، وَالْبُخْلِ، وَالْهَرَمِ، وَعَذَابِ القَبْرِ،

اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَن زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا،

اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بكَ مِن عِلْمٍ لا يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لا يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لا تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لا يُسْتَجَابُ لَهَا".



[1] وفي جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (1/ 399) : "وَيَدْخُلُ فِي التَّقْوَى الْكَامِلَةِ فَعْلُ الْوَاجِبَاتِ، وَتَرْكُ الْمُحَرَّمَاتِ وَالشُّبُهَاتِ، وَرُبَّمَا دَخَلَ فِيهَا بَعْدَ ذَلِكَ فِعْلُ الْمَنْدُوبَاتِ، وَتَرْكُ الْمَكْرُوهَاتِ، وَهِيَ أَعْلَى دَرَجَاتِ التَّقْوَى." اهـ

[2] عن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " الحَلاَلُ بَيِّنٌ، وَالحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى المُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ: كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلاَ إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ، أَلاَ وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً: إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلاَ وَهِيَ القَلْبُ". أخرجه البخاري (رقم : 52)، ومسلم (رقم : 1599) 

Komentar

Postingan populer dari blog ini

الحديث العشرون من صحيح الترغيب بشرح الأستاذ عبد القادر البوجيسي

الوجه السادس والعشرون إلى الوجه الثامن والعشرون من كتاب مفتاح دار السعادة

الحديث الثاني والعشرون