شرح الحديث السادس عشرمن كتاب أربعون حديثا في التربية والمنهج

 

الحديث السادس عشر

 

عن ابْنَ عُمَرَ _رضي الله تعالى عنهما_ قال: أَتَى رَجُلٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، حَدِّثْنِي بِحَدِيثٍ وَاجْعَلْهُ مُوجَزًا، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَلِّ صَلَاةَ مُوَدِّعٍ، فَإِنَّكَ إِنْ كُنْتَ لَا تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ، وَأْيَسْ مِمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ تَكُنْ [تَعِشْ] غَنِيًّا، وَإِيَّاكَ وَمَا يُعْتَذَرُ مِنْهُ» [أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط (4/ 358) (رقم : 4427)، وهو حديث صحيح لشواهده. انظر: «السلسلة الصحيحة (1914)]

 

وأخرجه : القضاعي في مسند الشهاب (2/ 93) (رقم : 952)، والبيهقي في الزهد الكبير (ص: 210) (رقم : 528)

 

قال الشيخ عبد العزيز بن محمد السدحان _حفظه الله_ في كتابه "أربعون حديثا في التربية والمنهج" (ص 39) :

"قوله : «صل صلاة مودع كأنك تراه، فإن كنت لا تراه فإنه يراك» :

 

* فيه : أن استشعار حلول خاتمة العبد عند أداء العبادة يزيد العبد خشوعا وإخباتا.

* وفيه : أن استشعار مرتبة الإحسان تزيد العبد إيمانا. {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219)} [الشعراء: 218، 219]،

وفيه : أن على دعاة الخير العنايةَ بشأن العبادات عموما، والصلاة خصوصا،

ففي ذلك نفع متعد من حيث زيادة الإيمان والهمة، مما يجعله ينشط في نشر الخير فينفع الله تعالى الناس بعلمه وعمله.

 

بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار ط الرشد (ص: 168_169)

هذه الوصايا الثلاث يا لها من وصايا، إذا أخذ بها العبد: تمت أموره وأفلح.

فالوصية الأولى: تتضمن تكميل الصلاة، والاجتهاد في إيقاعها على أحسن الأحوال. وذلك بأن يحاسب نفسه على كل صلاة يصليها، وأنه سيتم جميع ما فيها: من واجب، وفروض، وسنة، وأن يتحقق بمقام الإحسان الذي هو أعلى المقامات. وذلك بأن يقوم إليها مستحضراً وقوفه بين يدي ربه، وأنه يناجيه بما يقوله، من قراءة وذكر ودعاء ويخضع له في قيامه وركوعه، وسجوده وخفضه ورفعه.

ويعينه على هذا المقصد الجليل: توطين نفسه على ذلك من غير تردد ولا كسل قلبي، ويستحضر في كل صلاة أنها صلاة مودِّع، كأنه لا يصلي غيرها.

ومعلوم أن المودع، يجتهد اجتهاداً يبذل فيه كل وسعه. ولا يزال مستصحباً لهذه المعاني النافعة، والأسباب القوية، حتى يسهل عليه الأمر، ويتعود ذلك.

والصلاة على هذا الوجه: تنهى صاحبها عن كل خلق رذيل، وتحثه على كل خلق جميل؛ لما تؤثره في نفسه من زيادة الإيمان، ونور القلب وسروره، ورغبته التامة في الخير.

 

قال الله _تعالى_ في مدح الخاشعين في صلاتهم : {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)} [المؤمنون: 1، 2]

 

التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 110)

فَإِنَّهُ إِذا استحضر ذَلِك بَعثه على قطع العلائق والتلبس بالخشوع الَّذِي هُوَ روح الصَّلَاة

 

فيض القدير (1/ 388)

فإنه إذا استحضر [ص:389] ذلك كان باعثا على قطع العلائق والتلبس بالخشوع الذي هو روح الصلاة ومن أيقن بقدومه على عظيم شديد الانتقام ذي القدرة والكمال فجدير بأن يلازم غاية الأدب والصلاة صلة العبد بربه فمن تحقق بالصلة لمعت له طوالع التجلي فيخشع ويصلي صلاة مودع وقد شهد القرآن بفلاح الخاشعين {قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون} أي خائفون من الله متذللون يلزمون أبصارهم مساجدهم. وعلامة ذلك أن لا يلتفت يمينا ولا شمالا ولا يجاوز بصره محل سجوده. وقد صلى بعضهم في جامع فسقطت ناحية منه فاجتمع الناس عليها ولم يشعر. فليقبل العبد على ربه ويستحضر بين يدي من هو واقف؟ وكان مكتوبا في محراب: أيها المصلي من أنت؟ ولمن أنت؟ وبين يدي من أنت؟ ومن تناجي؟ ومن يسمع كلامك؟ ومن ينظر إليك؟

 

التنوير شرح الجامع الصغير (2/ 100)

والإنسان لا يدري متى تنزل به منيته وربما كانت آخر صلاته حقيقة فإنه ما من ساعة إلا وهو يجوز فيها نزول منيته

 

جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (2/ 385)

وَكَانَ يَقُولُ [عون بن عبد الله الهذلي الكوفي (ت : 193 هـ)] : إِنَّ مِنْ أَنْفَعِ أَيَّامِ الْمُؤْمِنَ لَهُ فِي الدُّنْيَا مَا ظَنَّ أَنَّهُ لَا يُدْرِكُ آخِرَهُ.___

وَكَانَتِ امْرَأَةٌ مُتَعَبِّدَةٌ بِمَكَّةَ إِذَا أَمْسَتْ قَالَتْ : (يَا نَفْسُ، اللَّيْلَةُ لَيْلَتُكِ، لَا لَيْلَةَ لَكِ غَيْرَهَا)، فَاجْتَهَدَتْ. فَإِذَا أَصْبَحَتْ، قَالَتْ: (يَا نَفْسُ الْيَوْمُ يَوْمُكِ، لَا يَوْمَ لَكِ غَيْرَهُ)، فَاجْتَهَدَتْ.

وَقَالَ بَكْرٌ الْمُزَنِيُّ : "إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَنْفَعَكَ صَلَاتُكَ فَقُلْ: لَعَلِّي لَا أُصَلِّي غَيْرَهَا." اهـ

 

قال الشيخ عبد العزيز بن محمد السدحان _حفظه الله_ في كتابه "أربعون حديثا في التربية والمنهج" (ص 39) :

وقوله : «واليأس مما في أيدي الناس تعش غنا» :

 

* فيه : أن الاستغناء عمَّا في أيدي الناس من أسباب قوة التوكل وإحسان الظن بالله تعالی.

وفيه : أن أولى الناس بالاستغناء عما في أيدي الناس، هم دعاة الخير؛ لأن ذلك من أسباب قبول الناس لهم بتوفيق الله تعالى لهم.

 

وفي بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار ط الرشد (ص: 169)

وأما الوصية الثالثة : فهي توطين النفس على التعلق بالله وحده، في أمور معاشه ومعاده، فلا يسأل إلا الله، ولا يطمع إلا في فضله. ويوطن نفسه على اليأس مما في أيدي الناس؛ فإن اليأس عصمة. ومن أيس من شيء استغنى عنه. فكما أنه لا يسأل بلسانه إلا الله، فلا يعلق قلبه إلا بالله. فيبقى عبداً لله حقيقة، سالماً من عبودية الخلق. قد تحرر من رقِّهم، واكتسب بذلك العز والشرف؛ فإن المتعلق بالخلق يكتسب الذل والسقوط بحسب تعلقه بهم. والله أعلم.

 

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (8/ 3270)

(" مِمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ ") أَيْ قَنَاعَةً بِالْكِفَايَةِ الْمُقَدَّرَةِ بِالْقِسْمَةِ الْمُحَرَّرَةِ الْمُقَرَّرَةِ. فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الزخرف: 32] إِلَى أَنْ قَالَ: {وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} [الزخرف: 35]

وَفِي الْحَدِيثِ : إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الِاسْتِئْنَاسَ بِالنَّاسِ مِنْ عَلَامَةِ الْإِفْلَاسِ، وَأَنَّ الْغِنَى الْقَلْبِيَّ هُوَ الْإِيَاسُ مِمَّا أَبْدَى النَّاسُ." اهـ

 

وقوله : «وإياك وما يعتذر منه» :

 

فيه : حرص دعاة الخير على حفظ مروءتهم والبعد عن كل ما يجعلهم محطا للذم والنقد

وفيه: عناية دعاة الخير بمعرفة مقاصد الشريعة، وبخاصة مسألة المصالح والمفاسد،

 

ففي ذلك مصالح کبری؛ منها :

- سلوك منهج النبي ﷺ في دعوته للناس.

- تحبيب الخير إلى الناس.

- تألیف قلوب الناس.

 

وفي رواية ابن ماجه (2/ 1396) (رقم : 4171) : عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي، وَأَوْجِزْ، قَالَ: «إِذَا قُمْتَ فِي صَلَاتِكَ فَصَلِّ صَلَاةَ مُوَدِّعٍ، وَلَا تَكَلَّمْ بِكَلَامٍ تَعْتَذِرُ مِنْهُ، وَأَجْمِعِ الْيَأْسَ عَمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ»، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته (1/ 190) (رقم : 742)

 

شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن (10/ 3307)

وقوله : «بكلام تعذر منه غدا» كناية عن حفظ اللسان، وأن لا يتكلم بما يحتاج أن يعتذر له.

 

التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 122)

(وَلَا تكلم) بِحَذْف إِحْدَى التَّاءَيْنِ للتَّخْفِيف (بِكَلَام تعتذر) بمثناة فوقية بِخَط الْمُؤلف (مِنْهُ) أَي لَا تنطق بِشَيْء يُوجب أَن يطْلب من غَيْرك رفع اللوم عَنْك بِسَبَبِهِ

 

التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 90)

"«وَإِيَّاك وَمَا يعْتَذر مِنْهُ»، أَي : احذر فعل مَا يحوج إِلَى الِاعْتِذَار." اهـ

 

وفي بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار ط الرشد (ص: 168_169)

وأما الوصية الثانية : فهي حفظ اللسان ومراقبته؛ فإن حفظ اللسان عليه المدار، وهو مِلاك أمر العبد. فمتى ملك العبد لسانه ملك جميع أعضائه. ومتى ملكه لسانه فلم يصنه عن الكلام الضار، فإن أمره يختل في دينه ودنياه. فلا يتكلم بكلام، إلا قد عرف نفعه في دينه____أو دنياه. وكل كلام يحتمل أن يكون فيه انتقاد أو اعتذار فليدعه، فإنه إذا تكلم به ملكه الكلام، وصار أسيراً له. وربما أحدث عليه ضرراً لا يتمكن من تلافيه.

 

Komentar

Postingan populer dari blog ini

الحديث العشرون من صحيح الترغيب بشرح الأستاذ عبد القادر البوجيسي

الوجه السادس والعشرون إلى الوجه الثامن والعشرون من كتاب مفتاح دار السعادة

الحديث الثاني والعشرون